ـ الفتاة ـ
جلستْ (ذُكاءُ) على مقعدٍ خشبيٍّ في حديقةِ المنزلِ، وبدأَتْ تقرأُ القِصَّةَ التي استعارتْها من مكتبةِ المدرسةِ.
كانتْ أشعَّةُ شمسِ الربيعِ مشرقةً تبعثُ الدفءَ في الأوصالِ.
وكانتِ القصَّةُ شائقةً جذَّابةً تُدخِلُ المتعةَ إلى النفسِ، وكانتْ بين حينٍ وآخرَ، تمرُّ بها نحلةٌ، فتسمع ذكاءُصوتَ رفيفِ أجنحتِها، فتنظرُ إليها لحظةً ثم تعودُ لمتابعةِ القراءةِ.
مرَّتْ بِذُكاءَ لحظاتٌ ممتعةٌ، وهي في هذا الجوِّ الشاعريِّ الجميلِ، وبهدوءٍ تسلَّلتْ قِطْتُها شامةَ، فاقتربتْ منها، ورَقَدَتْ قربَ قدميها من دون أن تشعر بها.
ـ القطة ـ
بعدَ أن جلستِ القطَّةُ شامةُ عند قدميِّ ذُكاءَ تلتمسُ الدفءَ من أشعَّةِ الشمسِ الذهبيةِ، سمعتْ أزيزاً مزعجاً يقتربُ منها، ثم ازدادَ الصوتُ قوةًSadوزز... وزز...). نظرتْ شامةُ إلى مصدرِ الصوتِ، فشاهدتْ حشرةً غريبةً تحومُ حولَها...
"آخ... خ!! إنها لسعةٌ مؤلمةٌ!! ذيلي يؤلمني!!...
سحبتْ شامةُ ذيلَها، فعادَ الصوتُ المزعجُ يحومُ حولَها من جديدٍ... (وزز...)!!!..
قفزتْ شامةُ في الهواءِ. لاحقتْها النحلةُ بأزيزِها المزعجِ. نظرتْ إلى ذُكاءَ تستنجدُ بها. لكنَّ ذكاءَ كانت منهمكةً في قراءةِ قصَّتِها...
قفزتْ شامةٌ من جديدٍ في الهواءِ... ثم توقّفتْ تنظرُ، وتُرهفُ السمعَ...
لم ترَ شيئاً، ولم تسمعْ صوتاً... تساءلتْ في نفسها: "ما هذه الحشرةُ الغريبةُ؟!... لابدَّ أنها من أعداءِ القِططةِ!... لو كانتْ فأرةً لَعَرَفْتُ كيفَ أُلقِّنُها درساً حاسماً في العراكِ والقتالِ، ولكنَّ هذه الحشرةَ تختلفُ عن جنسِ الفئرانِ كثيراً!... الفأرةُ تركضُ على الأرضِ، وهذه تطيرُ في الهواءِ... الفأرةُ لها ذيلٌ، وهذه لها جناحانِ...
الفأرةُ تخافُ من القطِّ، وهذه تهاجمُهُ!... الفأرةُ تهربُ عندما يقتربُ منها القطَّ، وهذه تلحقُ به، وتعضُّ ذيلَهُ!!!....".
" و.زز...!!". عاودَ العدوُّ الهجومَ! " وززز...!!".
اقتربتِ الحشرةُ ثانيةً من الذيلِ... ابتعدتْ شامةُ. قفزتْ هاربةً. استلقتْ على الأرضِ. " وززز...!!".
الحشرةُ تقتربُ من الذيل... تلسعُ!! "آخ ـ خ ـ خ!!!!". "ذيلي يؤلمني..".
ـ الذبابة ـ
طارتِ الذبابةُ بعدما دَبَّ الدفءُ في جناحيها، وبدأتْ تبحثُ عن طعامٍ.. شمَّتْ رائحةً محبَّبَةً، فاتجهتْ نحوها.....
شاهدتِ القطَّةَ شامَة... شمَّتْ رائحةَ (سمنٍ)... اقتربتْ منها... "ذيلُها مبلَّلٌ بالسمن...." "وززز...!!!"..
حطَّتِ الذبابةُ على ذيلِ شامة، وأرسلتْ إبرتَها تمتصُّ السمنَ الشهيَّ بِلذَّةٍ!!...
ـ آخ.. خ.. خ!!!! لسعةٌ أخرى!!! يا لشدِّةِ الألمِ.....
انطلقتْ هاربةً!!!...
كانتِ الذبابةُ من النوعِ الأسودِ الكبيرِ الحجمِ، وقد عُرِفَتْ بإلحاحها الشديدِ، فلاحقتِ القطَّةَ، وقرَّرَتْ أن تَشبعَ مِنَ السمنِ اللذيذِ... "وزززز...!!!". وامتصتِ السمنَ بشهيةٍ.... فقفزتِ القطَّةُ...
ـ ذيلي يؤلمني كثيراً!!!...
ـ الفتاة ـ
انتبهتْ ذُكاءُ، فتوقَّفتْ عن قراءةِ القصَّةِ، ونظرتْ إلى شامة، فشاهدتِ الذبابة السوداءَ الكبيرةَ تُلاحقُها... عندئذٍ أسرعتْ إلى الداخل، وأحضرتْ (مضربَ الذبابِ)، ذا الثقوبِ المتعدِّدَةِ، وضربتِ الذبابةَ، فأصابتَها، وأوقعتْها على الأرضِ صريعةً!...
قالت ذُكاءُ:
ـ هذا جزاءُ الشرِّيرِ المعتدي!
ثم عادتْ إلى مكانها على المقعدِ الخشبيِّ، وأخذتْ تُفَكِّرُ:
ـ لماذا تُطاردُ الذبابةُ شامةَ؟!...
ـ لماذا كانت تحومُ حولَ ذيلها؟!...
ـ هل في الأمرِ سرٌّ؟!..
وبَرَقَتْ في ذهنِ ذُكاءَ فِكْرَةٌ!... تذكرتِ المعلِّمةَ التي قالتْ في درسِ العلومِ: إن الذباب لا يقع إلاَّ على بقايا الطعامِ أو الموادِّ الفاسدةِ. و.....
نهضتْ في الحالِ. فأمسكتْ شامةَ، ونظرتْ إلى ذيلها فوجدتُهُ مُبَلَّلاً بالسمنِ...!..
دخلتِ المطبخَ ومعها شامةُ... شاهدتْ وِعاءَ السمنِ على الأرضِ... فهمتْ كلَّ شيءٍ!... أمسكتْ بأُذُنِ القطَّةَ وشدَّتْها، قائلةً:
ـ أيتُها الماكرةُ... غططتِ ذيلَّكِ بالسمنِ، ثم لَعَقْتِهِ ، لأنكِ لا تستطيعينِ إدخالَ رأسَكِ في الوعاء...
ماءتِ القطَّةُ متألمةً: "مياو...مياو!!!.".
شدَّتْ ذُكاءُ أُذُنَ شامةَ ثانيةً، ثم قالتْ قبلَ أن تُفلتَها:
ـ لو كنتُ أعلمُ بفعلتِكِ هذهِ، لتركتُ الذبابةَ تلسعُكِ مائةَ مَرَّةٍ!..
تخلصتْ شامةُ من يدِ ذُكاءَ، وانطلقتْ تعدو مسرعةً خجلى، وهي تحسُّ بذنْبها من دون أن تجرؤ على النظر إلى الخلف.
يارب تعجبكم